Friday 19 August 2011

عيد ميلادى 71

اليوم 19 اغسطس عيد ميلادى 71 . يوم 22/8 اتوجه بأذن الله الى مكة المكرمة للأداء عمرة رمضان وبعدها قضاء بعض من العشرة الاواخر  واصلى صلاة العيد فى رحاب مسجد رسول الله بالمدينة . سوف تتوقف المدونة ثلاثة اسابيع على امل اللقاء من جديد فى الجمعة 9/9 ان شاء الرحمن .
مساء امس احتفلت بمناسبة عيد ميلادى 71 مع بناتى وابنائى فى دارنا بالخرطوم المعروفة باسم ال Pond . وقد اطلقت عليها هذا الاسم لانها واحتى التى لا استطيع العيش خارجها طويلا حتى ان كنت خارج السودان . يتطلب الطقس الحار فى الخرطوم عناية خاصة بتصميم المسكن ، ولا اطننا قد حققنا نجاحا كبيرا فى هذا الشان خصوصا فى هذا الوقت الذى يعتمدون فيه اكثر على الوسائط الآلية . مع ذلك فان الخرطوم تتمتع بثراء نباتى متميز واهتمام ملحوظ بالحدائق المنزلية للزينة وقليلا للتصالح مع عدوان الطقس .
ال Pond من هذا النوع الذى اعتبره محاولة لابداع عمارة محلية حديثة ( الصورة ) . فى الخرطوم نماذج متطورة فى هذا الاتجاه ، ولكن قليلة . العمارة المحلية الحديث فى الخرطوم تمزج بين العمارة الحديثة وتأثيرات من روح العمارة التقليدية وتعبيرات العمارة الخضراء التى تعتمد الوسائل الطبيعية . ربما اعرض بعض النماذج من العمارة الخضراء فى الخرطوم فى مدونات لاحقة بعد 9/9 .



Friday 12 August 2011

قـــــــــــــــــراءات

تشكيل الحــيز المعــمارى فى عصر المــماليك: التعبير ودلالته


Howayda al-Harithy, 2001. The Concept of Space in Mamluk Architecture. Moqarnas Vol. XVIII. http://ArchNet.org/library.
نشأت المجمعات الحضرية فى عصر المماليك على برنامج دينى اجتماعى يتركز حول العلاقات الجماهيرية وله اهداف ثقافية واجتماعية وسياسية يعكسها التصور المعمارى . اضافة الى وظائفه الدينية والتعليمية صار للمبنى رسالة بصرية تعكس مضمون التصور المعمارى ويعبر عنها الشكل المعـــــــمارى . من افضل ما قرأت فى تفسير دلالة الحــيز الحضرى فى عمارة المماليك ما كتبته  Howayda al-Harithy فى مقال لها بعنوان:
''The Concept of Space in Mamluk Architecture''
 

هناك مجموهة من العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية تكون فى مجموعها التصور المعمارى الذى يمثله الشكل المعمارى بمعناه العريض الذى يشمل البـــناء التشكيلى كله بما فيه الحيزات المعــــمارية والحيزات الحضرية فى المحيط المــــباشر . يتطلب فهم دلالة ما تمثله الحيزات المعمارية ايجاد علاقة بين شكل الحيزات ، واسلوب تجميعها وحركة المناشط فيها . تعتمد هذه العلاقة على دراسة اثر العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية الدافعة لابتكار تلك الحيزات ، والمحددة لشكلها واسلوب تجميعها ، والمحركة للمناشط فيها . يتعرض مقال  al-Harithy بالتحليل لاثر هذه العوامل على شكل الحيزات واسلوب تجميعها واتجاهات الحركة فيها ، وتستعين بذلك على توضيح اسلوب الحيزات المعمارية والحضرية فى التعبير عن فلسفة التصور المعمارى . كتب المقال باسلوب انسيابى لا يتوقف عند حدود اقسام معينة او عناوين جانبية تعين الدارس على تتبع التحليل بسهولة ، ولكنه فى ذات الوقت اسلوب يشبه السرد القصصى و لا يخلو من المتعة  للقارىء . تقول الكاتبة:
" أن تعددية وظائف المجمع الحضرى وموقع الضريح فى قلب المدينة هما العنصرين الاساسيين فى سيناريو ابداع الحيز المعمارى .  بالنظر الى مواقعها فى قلب المدينة بكل ما فيها من حياة ، ووظائفها المتعددة صارت المجمعات الحضرية ساحات للعلاقات الاجتماعبة المكثفة . فيها يتم الاتصال واللقاء بين مختلف الفئات الاجتماعية من الطلاب والشيوخ والتجار واصحاب الحاجات والنخب من العسكريين المماليك ."

كان من الطبيعى ان يؤدى تدفق العلاقات الاجتماعية فى المجمع الحضرى على هذا النحو الى تولد تيار من الحركة بين المبنى وجواره الحضرى ، فتنشأ بينهما علاقة متبادلة فى اتجاهين: الاول ، نحو الداخل وهو تأثير الحركة فى الشارع على وظائف المبنى داخليا ؛ والثانى ، باتجاه الخارج، وهو تأثير المبنى نفسه على الحيز العام . تبرز اهمية هذه العلاقة المزدوجة فى اثرها على شكل الحيزات الداخلية والخارجية واسلوب تجميعها . ينظر هذا الجزء الى العلاقات الوظيفية وحركة المناشط ويتتبع اثرها فى ربط الحيزات الداخلية والخارجية وفى العلاقة العضوية والبصرية المتداخلة بينهما .
" نتيجة تعدد وظائف المجمع الحضرى صار الحيز المعمارى الداخلى امتدادا للحيز العام فى الشارع ،  بينما يبرز الضريح الى الخارج ويحقق اكبر قدر من الظهور فى الحيز العـام والتفاعل معه . وأدى هذا التفاعل الوظيفى بين المبنى وجواره الحضرى الى توحد الحيزات فيهما فى وحدة تشكيلية واحدة . "
ادى التفاعل الوظيفى بين المبنى وجواره الحضرى ليس الى دمج الحيزات فيهما فى وحدة تشكيلية واحدة فقط ، بل تعدى ذلك ليشمل توحد الواجهات الداخلية والخارجية ايضا . نسبة لطبيعة مواقع المجمع الحضرى فى قلب القاهرة فى العصور الوسطى والقيود التى تفرضها على التصميم كان الخيار المتاح هو اللجوء الى المخطط المفتوح للداخل واستخدام صيغة الفناء فى بناء المجمعات الحضرية . الملاحظ ان المعمارى فى عصر المماليك اتبع تقاليد كانت سائدة فى العصور التى سبقت عصر المماليك فى التعامل مع الواجهات الداخلية . فى الفترات السابقة كان الاهتمام فى المبانى السكنية بالواجهات الداخلية المطلة على الفناء اكثر من الواجهات المطلة على الشارع ، وذلك ضمن استراتيجية فصل الداخل فصلا تاما عن الشارع لدواعى الخصوصية . فى مجمعات المماليك الحضرية كان التوجه نحو التعامل مع الواجهات الداخلية المطلة على الفناء باعتبارها ليس امتدادا للواجهات الحضرية بالخارج فحسب ، بل جزء اساسيا فى البناء التشكيلى للمجمع الحضرى .  

المعروف ان وظائف المبنى هى المحدد الرئيسى للشكل المعمارى .  فى العمارة الاسلامية ليست الوظائف العادية  المتعلقة بالمناشط الاجتماعية مثل التعليم والعبادة وغيرها فقط هى المسئول عن تحديد الشكل المعمارى ، بل ان وظيفة  التعبير عما تمثله الحيزات المعمارية ، التصور المعمارى ، يلعب دورا اساسيافى تحديد شكل تلك الحيزات .
ســـاد فى عصر المماليك اشكالا متـــنوعة من الحيزات مهمتها ، الى جانب الربط بين الاجزاء ، ان تبعث برســـالة بصرية تعبر عن مضــمون التصور المعــمارى . اول هذا النوع من الحــيزات هو  ما تســميه al-Harithy "الجيب الحضرى" وهو عــبارة عن تغير فى مجرى الشارع المحدود يحدث فيه اتساعا يقع بين ضفتى المبانى على جانبى الطريق يواصل الشارع بعدها مساره من جديد . لم يكن الشارع فى المدن الاسلامية فى العصور الوسطى مستقيما بل كان مألوفا ان يعترض مسارة انحناء طارئا يغير اتجاهه وشكله واتساعه . الجيب الحضرى الذى يعترض شارع المعز عندما يمر بموقع مجمع قلاوون مثل ذلك وهو احد وسائط التعبير فى عمارة المماليك ، من اغراضه توجيه الحركة نحو المدخل الرئيسى و تهيئة حيزا مناسبا للتواصل الاجتماعى .
الجيب الحضرى الذى تشكل امام مجمع قلاوون عبارة عن ساحة صغيرة " ...تكتسب خصائصها الحضرية من البناء التشكيلى على ضفتيها ومن تعبير واجهات مجمع قلاوون على جانب من الشارع وواجهة المدرسة الصالحية المقابلة لها على الجانب الآخر ، وتكتسب خصوصيتها من احتوائها بين هذين الصرحين التذكاريين ."
احد وسائط التعبير المتعددة التى ابتكرها المعمارى فى عصر المماليك هو الممر الداخلى الذى يربط الحيزات الداخلية بالخارج وهو ما تســميه al-Harithy الحيز الانتقالى . استخدم المعمارى الحيزات الانتقالية ليس لمجرد ربط الاجزاء الداخلية وتوحيدها ، بل كأداة من ادوات التعبير عن التصور المعمارى .
"بسبب ازدياد الاهتمام بالعلاقات المتبادلة بين الحيزات الداخلية المعمارية و الخارجية الحضرية ، تتطلب تشكيل الحيزات الانتقالية عناية خاصة . اضافة الى وظيفتها الاساسية فى ربط اجزاء المبنى صارت الحيزات الانتقالية هى العنصر الاول المسئول ليس فقط عن التحكم فى ديناميكية الحركة بين الداخل والخارج بل مسئول ايضا عن توازن العلاقات الوظيفية المتداخلة بينهما وتوفير الخصوصية المطلوبة لبعض اجزاء المبنى بالداخل ."

كان اسلوب الدخول المتدرج عبر تسلسل من الحيزات الوسيطة التى تنقل الحركة من الشارع العام  عبر الفناء الداخلى الى حرم الصلاة ، تقليدا اشتهرت به العمارة الاسلامية منذ العصور المبكرة مثل الجامع الاموى فى دمشق والجامع الازهر فى القاهرة . ولكن نسبة لطبيعة المخطط من طراز الايوانات والفناء الداخلى وتعدد المكونات متعددة الاغراض فى عمارة المماليك ، لم يعد المدخل  المباشر فى مركز الواجهة الذى ساد من قبل ممكنا ولا عمليا . كان ضروريا ان يكون المدخل فى مجمعات المماليك موحدا ثم تنتقل الحركة عبر الردهة انتقالا متدرجا ينظم الدخول ويبعد ضوضاء الشارع ويوفر العبور نحو الخصوصية . تعمل الردهة كحيز وسيط بن العام فى الشارع والخاص بالداخل مهمتها ان تضبط الايقاع المتدرج نحو العمق عبر الممر  الذى يربط مكونات المبنى مثل مجمع قلاوون ، او عبر دهليز طويل يمتد عمقا كما فى خانقة السلطان بيبرس او مدرسة السلطان حسن حسب درجة الخصوصية التى تتطلبها وظائف المبنى .

فى خانقة بيبرس يتم عبور الحيز الانتــقالى بمراحل متدرجة بدء من الحيز الحضرى فى الشـــارع . تصف  al-Harithy الحيزالحضرى امــام خانقة الســلطان بيبرس الجاشــنكير بأنه جيب حضرى تكون نتيجة لبروز الضريح فى حيز الشارع وانه يشكل جزء من الحيز الانتقالى  . هنا يبدأ الحيز الانتقالى حقيقة فى الحيز الحضرى خارج المبنى ويمر بمراحـل متدرجة داخل المبنى الى ان يصل الى الفناء الداخلى . يمر الحيز الانتقالى بمراحل متدرجة بدء من الجيب الحضرى ، عبر بالمدخل الذى يؤدى الى الردهة وهى غرفة صغيرة تعمل كنقطة توصيل يتفرع منها دهليزين غير مباشرين : يتجه الاول شمالا الى ردهة الضريح والتى تؤدى الى مدخل الضريح فى محور القبلة . اما الدهليز الآخر فيتجه جنوبا ليفتح فى فناء المدرسة .  
"فى خانقة بيبرس يقع الضريح فى مقدمة المبنى ولكن الردهة امام الضريح فقط هى التى لها صلة مباشرة بالشارع . تعمل الردهة ، كما كان سائدا فى تلك الفترة ، على توجيه الحركة فى اتجاه الباب المقابل  للقبلة على المحور العمودى عليها . اما الخانقة فتتخذ موقعها فى عمق المبنى محتفظة بخصوصيتها وبعدها عن الشارع . "



Friday 5 August 2011

التصور المعمارى واثره على البناء التشكيلى فى عمـــارة الممــاليك
القاهرة 1250- 1517

2/ اثر التصور المعمارى على البنــاء التشكيلى

فى عصر المماليك كان الصرح التذكارى هو التصور المعمارى الاول . كان الهدف الرئيسى من بناء المجمعات الحضرية هو اقامة الصرح التذكارى الذى يهدف الى تخليد ذكرى صاحب الضريح . رغم اهمية المدرسة فى تكوين المجمعات الا ان الضريح هو المكون المحورى ونقطة الارتكاز فى المجمعات الحضرية والدليل على ذلك هو تأكيد المصمم على ابراز الضريح اكثر من المكونات الاخرى وجعله مهيمنا على البناء التشكيلى وعلى العلاقات  الحضرية التى تنشأ من حوله . يؤكد ابراز الضريح الى الامام فى الحيز العام متقدما عن مستوى الواجهة اسبقية الضريح على باقى المكونات فى المجمع الحضرى .
ادرك  المعمارى البعد السياسى للضريح ،  وادرك ان للضريح بعدا آخر لا يقل اهمية وهو البعد التشكيلى الذى يمكن ان يدعم البعد السياسى ويعبر عن التصور المعمارى . يستخدم المعمارى  الابداع التشكيلى فى توصيل رسالة بصرية ذات مضمون سياسى لذلك لجأ الى دعم قدرة الضريح ، كرمز للسلطة والنفوذ ، على التعبير المعمارى وتعظيم الرسالة التى يبعثها . اتبع المعمارى فى ذلك اساليب متنوعة تراوحت بين ابراز قبة الضريح بوضعها فى موقع بارز على الشارع ؛ و بجعلها اكثر ارتفاعا بزيادة ارتفاع الرقبة باستخدام الحنيات الركنية المدرجة من اجل افضل رؤية ممكنة فى بيئة حضرية شديدة التكدس .

______________________






المسقط الافقى للمدرسة الصالحية
المصدر:   http://archnet.org/


تمثل فكرة ابراز الضريح نحو الخارج بهدف تحقيق اكبر قدر من الظهور واكبر قدر من التأثير على الحيز العام رؤية جديدة فى البناء التشكيلى تحققت لاول مرة فى ضريح الملك الصالح نجم الدين الملحق بمدرسة الصالحية وهو اول ضريح فى قلب المدينة . بنى الملك الصالح ايوب ، آخر سلاطين الدولة الايوبية ، اول مدرسة تبنى فى القاهرة للمذاهب السنية الاربعة .
اقيمت المدرسة الصالحية   1242- 1244  على جزء من موقع قصر الحكام الفاطميين فى قلب المدينة الفاطمية فى القاهرة المعروف باسم بين القصرين وهو الحى الذى شيد فيه روائع عمارة المماليك الجراكسة . يقع المدخل الرئيسى على الشارع فى مركز الواجهة الشمالية الغربية ويؤدى الى الممر الذى يربط جناحى المدرسة على يمين ويسار الممر . وضع المصمم المئذنة فوق البوابة الرئيسية لتأكيد المدخل ولخلق علاقة تشكيلية بين  العنصر الرأسى وهو المئذنة والامتداد الافقى للواجهة على يمين ويسار المدخل ولخلق نوع من التوازن مع قبة الضريح .
تمثل المدرسة الصالحية نقطة تحول رئيسة ليس فقط على صعيد التصميم المعمارى الوظيفى فى بناء المدرسة بل و البناء التشكيلى ايضا . فهى تعد تطورا اساسيا على ما سبقها ونموذجا لما  لحق فى تصميم المجمعات الحضرية فى عصر المماليك .
يمثل الضريح قمة  الابداع التشكيلى فى المدرسة الصالحية . يقع الضريح فى الركن الشمالى للمدرسة وهو عبارة عن مبنى مربع يبرز من الواجهة الشمالية الغربية وفوقه قبة مرفوعة على رقبة مثمنة .  يبرز الضريح الى الامام فى فضاء الشارع بهدف اضافة بعدا منظوريا يتوافق مع اهمية الاشارة السياسية التى يبعث بها الى الخارج . رغم ان الضريح لم يكن اصلا موجودا فى المبنى الا ان اضافته لاحقالم يخل بالتوازن فى الواجهة بل اضـاف لها بعدا تشكيليا منظوريا . حرص المعمارى على تقوية قدرة البناء التشكيلى على توصـيل تلك الرسالة بطرق متعددة مستخدما اهم ما لديه من المفردات المعمارية وابرازها فى تشكيل موحد يجمع المئذنة والبوابة الرئيسية وقبة الضريح فى تشكيل متناسق مع الواجهة يهيمن على المنظر الحضرى ويضبط الايقاع فى الفضاء العام من حولها .

_____________________________
 
فى الصالحية كان ابراز الضريح نحو الخارج فى حيز الشارع هو الوسيلة لتحقيق اكبر ظهور واقوى تأثير فى الجوار الحضرى  . فى مجمع السلطان قلاوون   1284- 1285 ايضا يركز المعمارى على اضفاء بعدا منظوريا على واجهة المبنى ولكنه يريد ابراز كل من المدرسة والضريح كجزء مستقل بذاته .
فى عمارة المماليك لم تكن الواجهة مجرد مسطحات لا عمق فيها بل كانت تعبيرات الواجهة من اهم  الاساليب التى استخدمها المعمارى فى ابداع البناء التشكيلى .  الواجهة فى مجمع قلاوون ليست مجرد غلاف للمساحات الداخلية فحسب ، بل هى جزء لا يتجزء من البناء التشكيلى الذى يتكون من جزئين هما المدرسة والضريح و يربط بينهما الممر الاوسط  الذى يوصل الى داخل الموقع حيث يوجد الجزء الثالث من المبنى وهو الماريستان . الممر هنا ليس مجرد اداة وصل الى الداخل وربط بين مكونات المبنى . بل اراد المصمم  ان يكون الممر امتدادا للطريق العام واستمرارا للواجهة الامامية الى الداخل ايضا ، وان تكون رؤية الواجهات الجانبية الطويلة للمدرسة والضريح من داخل الممر مكملة للصورة ثلاثية الابعاد التى اراد ان يرسمها لكل منهما .



المسقط الافقى لمبنى مجمع السلطان قلاوون
المصدر:  http://archnet.org/

نشأت المجمعات الحضرية فى عصر المماليك على برنامج دينى اجتماعى يتركز حول العلاقات الجــماهيرية وله اهداف سياســية واجتماعية كان على المعمارى ان يستجيب لها . صار للمبنى رسالة سياسـية لا يعبر عنها البناء التشكيلى فقط بل صار للحيز الحضرى ايضا دلالته ومقـاصده . تسـتعين Howydah al-Harithy ( 2001) فى '' '' The Concept of Space in Mamluk  Architecture
بتحليل العلاقات الوظيفية التى تنبعث فى الحيزات الحضرية فى مجمع قلاوون وما حوله ، فى تفسير معنى تلك الحيزات ودلالاتها . كتبت تقول :
" أن تعددية وظائف المجمع الحضرى وموقع الضريح فى قلب المدينة هما العنصرين الاساسيين فى سيناريو ابداع الحيز الحضرى .  بالنظر الى مواقعها فى قلب المدينة بكل ما فيها من حياة ووظائفها المتعددة صارت المجمعات الحضرية ساحات للعلاقات الاجتماعبة المكثفة . فيها يتم الاتصال واللقاء بين مختلف الفئات الاجتماعية من الطلاب والشيوخ والتجار واصحاب الحاجات والنخب من العسكريين المماليك .
بينما يبرز الضريح فى المجمعات الحضرية الى الخارج ليحقق اكبر قدر من الظهور فى الحيز العام ، جعلتها طبيعة تعدد وظائفها امتدادا للحيز العام فى الشارع . تشكل هذه العلاقة بين وظائف المجمع المتعددة فى الداخل ورسالته البصرية الموجهة للخارج ، قاعدة علاقة متبادلة يعتمد فيها المبنى وجواره الحضرى المباشر كل منهما على الآخر ."
 Howayda al-Harithy, 2001

النموذج الآخر الذى سار على خط الصالحية كان هو خانقة السللطان بيبرس الجاشنكير والذى يبرز فيه بهو المدخل امام الضريح وتكررت بنفس الصورة مرة اخرى فى مدرسة الامير سارغاتميش . بنيت خانقة بيبرس الجاشنكير (1310-1306) على الجانب الشرقى من شارع المعز لدين الله ثم اضيف الضريح لاحقا ، مثل ضريح مدرسة الملك الصالح ايوب ، بعد بناء الخانقة ، وكان طبيعيا فى الحالتين ان يحتل الضريح الجزء الامامى المطل على الشارع وان يكون ايوان الصلاة فى الطرف الخلفى من الموقع وفقا لاتجاه القبلة . مع ذلك يختلف ضريح بيبرس عن ضريح الصالحية الذى يشكل جزء مضافا الى مبنى المدرسة وله واجهة مستقلة .فى المقابل نجد ضريح بيرس عبارة عن جزء من مبنى الخانقة وواجهته ليست مطلة على الشارع مباشرة بخلاف جميع الاضرحة المملوكية فى القاهرة ، بل تتقدمه ردهة بارزة فى حيز الشارع تسمح بتعديل الواجهة لتتطابق مع خط الشارع مع الاحتفاظ بتوجه المساحات الداخلية نحو القبلة حسب التقاليد المرعية فى بناء الاضرحة المملوكية  . مهمة هذه الردهة هو توجيه الدخول الى الضريح من الاتجاه العمودى على المحراب كما فى ضريح قلاوون .

المسقط الافقى لخانقة السلطان بيبرس الجاشنكير
المصدر:  http://web.mit.edu/

فى مدرسة الامير سارغاتميش (1356) وضع الضريح فى الركن الغربى من المبنى . تتوسط الضريح قاعة مربعة الشكل تعلوها قبة ذات رقبة طويلة تشبه قباب سمرقند وضع المدفن تحتها . لا تطل قاعة المدفن على الشارع مباشرة بل يتقدمها رواق بارز الى الامام ويطل على الشارع عبر خمسة نوافذ . توصف اطلالة ضريح سارغاتميس عبر مقدمتة البارزة بانه احد اكثر معالم هذه المدرسة تميزا  . يشبه هذا الاسلوب الذى اتبع فى معالجة ضريح بيــبرس الجاشنكير عبر مقدمة بارزة ايضا ، والذى يمكن تفسيره فى الحالتين بالرغبة فى ايجاد اقوى علاقة تشكيلية ممكنة بين الضريح والمبنى والشارع لدعم الدلالة الرمزية الاجتماعية والتاريخية للصرح التذكارى .

المسقط الافقى لمدرسة الامير سارغاتميش
المصدر: http://web.mit.edu/

____________________________